خلاصه ماشینی:
"وعند النظر فی هذه التشکیکات, یمکن التوقف أمام ثلاثة أنماط منها, تختلف من حیث الدرجة والشدة, ومن حیث البواعث والخلفیات, ومن حیث منظورات الرؤیة, وهذه الأنماط هی: أولا: هناک من یری أن مفهوم التقریب کان وما زال مفهوما ملتبسا, منذ الإعلان عنه فی أربعینیات القرن العشرین إلی الیوم, بشکل یصعب الإمساک بمضمونه, والاتفاق علی هویته وماهیته, ونظرا لهذا الالتباس فإن المقولات الاحترازیة هی التی تتقدم عند بیان هذا المفهوم, وشرحه من قبل المنخرطین فی عملیة التقریب.
وما هو معروف أن مفهوم التقریب فی هذا الشأن الذی نتحدث عنه, إنما جاءنا علی خلفیة الارتباط بتجربة حیة وثریة, امتدت فی عمرها الزمنی ما یقارب ربع قرن, هی تجربة دار التقریب بین المذاهب الإسلامیة فی القاهرة, التی أعلنت عن نفسها فی النصف الثانی من الأربعینیات, واستمرت فاعلة وحاضرة حتی مطلع سبعینیات القرن العشرین.
هذه الذاکرة التاریخیة لم تکن بعیدة أو غائبة عن إدراک الشیخ القمی, وذلک بناء علی خلفیة أن معظم أو جمیع الذین سلکوا نهج الدفاع عن وحدة الأمة, ونبذ کافة أشکال التعصب والتفرق والتباعد بین المسلمین, کان الأفغانی بصورة من الصور حاضرا فی ذاکرتهم, بوصفه أحد أکثر المصلحین فی تاریخ العالم الإسلامی الحدیث دفاعا عن وحدة الأمة, حیث اتخذ من الجامعة الإسلامیة خطابا ونهجا ومسلکا لحرکته الإصلاحیة.
لکن الخطوة المتقدمة فی هذا المجال, هی الخطوة التی أقدمت علیها المنظمة الإسلامیة للتربیة والعلوم والثقافة (إیسیسکو), حین وضعت استراتیجیة لها بعنوان (استراتیجیة التقریب بین المذاهب الإسلامیة), إلی جانب استراتیجیاتها الأخری فی التربیة والثقافة والعلوم, واعتبرت أن هذه الاستراتیجیة تتصل بمجال بالغ الأهمیة یرتبط بالوحدة الثقافیة فی العالم الإسلامی, وبتماسک الأمة الإسلامیة وتضامنها."